فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الطبري:

وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، تأويل من تأوَّله: فما نكحتموه منهن فجامعتموه، فآتوهن أجورهن لقيام الحجة بتحريم الله متعة النساء على غير وجه النكاح الصحيح أو الملك الصحيح على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال، حدثني الرَّبيع بن سبرة الجهني، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: استمتعوا من هذه النساء والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج.
وقد دللنا على أن المتعة على غير النكاح الصحيح حرام، في غير هذا الموضع من كتبنا، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وأما ما روي عن أبيّ بن كعب وابن عباس من قراءتهما: {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى}، فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين. وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئًا لم يأت به الخبرُ القاطعُ العذرَ عمن لا يجوز خلافه. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وقد تكلف قوم من مفسّري القُرّاء، فقالوا: المراد بهذه الآية نكاح المتعة، ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن متعة النساء، وهذا تكلُّف لا يُحتاج إليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز المتعة، ثم منع منها فكان قوله منسوخًا بقوله.
وأما الآية، فإنها لم تتضمّن جواز المتعة.
لأنه تعالى قال فيها: {أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} فدل ذلك على النكاح الصحيح.
قال الزجاج: ومعنى قوله: {فما استمتعتم به منهن} فما نكحتموهن على الشريطة التي جرت، وهو قوله: {محصنين غير مسافحين} أي: عاقدين التزويج {فآتوهن أجورهنَّ} أي: مهورهن.
ومن ذهب في الآية إلى غير هذا، فقد أخطأ، وجهل اللغة. اهـ.

.قال الألوسي:

وقيل: الآية في المتعة وهي النكاح إلى أجل معلوم من يوم أو أكثر، والمراد: ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من استئناف عقد آخر بعد انقضاء الأجل المضروب في عقد المتعة بأن يزيد الرجل في الأجر وتزيده المرأة في المدة، وإلى ذلك ذهبت الإمامية، والآية أحد أدلتهم على جواز المتعة، وأيدوا استدلالهم بها بأنها في حرف أبيّ {فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى}، وكذلك قرأ ابن عباس وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم والكلام في ذلك شهير ولا نزاع عندنا في أنها أحلت ثم حرمت، وذكر القاضي عياض في ذلك كلامًا طويلًا، والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالًا قبل يوم خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لاتصالهما، ثم حرمت يومئذٍ بعد ثلاث تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة، واستمر التحريم، ولا يجوز أن يقال: إن الإباحة مختصة بما قبل خيبر، والتحريم يوم خيبر للتأبيد وإن الذي كان يوم الفتح مجرد توكيد التحريم من غير تقدم إباحة يوم الفتح إذ الأحاديث الصحيحة تأبى ذلك، وفي [صحيح مسلم] ما فيه مقنع.
وحكي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يقول بحلها ثم رجع عن ذلك حين قال له علي كرم الله تعالى وجهه: إنك رجل تائه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة كذا قيل، وفي [صحيح مسلم] ما يدل على أنه لم يرجع حين قال له عليّ ذلك، فقد أخرج عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه قام بمكة فقال: إن ناسًا أعمى الله تعالى قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل يعني ابن عباس كما قال النووي، فناداه فقال إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن الزبير: فجرب نفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك فإن هذا إنما كان في خلافة عبد الله بن الزبير، وذلك بعد وفاة علي كرم الله تعالى وجهه، فقد ثبت أنه مستمر القول على جوازها لم يرجع إلى قول الأمير كرم الله تعالى وجهه، وبهذا قال العلامة ابن حجر في شرح المنهاج، فالأولى أن يحكم بأنه رجع بعد ذلك بناءًا على ما رواه الترمذي والبيهقي والطبراني عنه أنه قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه مقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت الآية {إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} [المؤمنون: 6] فكل فرج سواهما فهو حرام، ويحمل هذا على أنه اطلع على أن الأمر إنما كان على هذا الوجه فرجع إليه وحكاه، وحكي عنه أيضًا أنه إنما أباحها حالة الاضطرار والعنت في الأسفار، فقد روي عن ابن جبير أنه قال: قلت لابن عباس: لقد سارت بفتياك الركبان، وقال فيها الشعراء قال: وما قالوا؟ قلت: قالوا:
قد قلت للشيخ لما طال مجلسه ** يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس

هل لك في رخصة الأطراف آنسة ** تكون مثواك حتى مصدر الناس

فقال: سبحان الله ما بهذا أفتيت وما هي إلا كالميتة والدم ولحم الخنزير، ولا تحل إلا للمضطر، ومن هنا قال الحازمي: إنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أباحها لهم وهم في بيوتهم وأوطانهم، وإنما أباحها لهم في أوقات بحسب الضرورات حتى حرمها عليهم في آخر الأمر تحريم تأبيد، وأما ما روي أنهم كانوا يستمتعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر حتى نهى عنها عمر فمحمول على أن الذي استمتع لم يكن بلغه النسخ، ونهي عمر كان لإظهار ذلك حيث شاعت المتعة ممن لم يبلغه النهي عنها؛ ومعنى أنا محرمها في كلامه إن صح مظهر تحريمها لا منشئه كما يزعمه الشيعة، وهذه الآية لا تدل على الحل، والقول بأنها نزلت في المتعة غلط، وتفسير البعض لها بذلك غير مقبول لأن نظم القرآن الكريم يأباه حيث بين سبحانه أولًا المحرمات ثم قال عز شأنه: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بأموالكم} وفيه شرط بحسب المعنى فيبطل تحليل الفرج وإعارته، وقد قال بهما الشيعة، ثم قال جل وعلا: {مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مسافحين} وفيه إشارة إلى النهي عن كون القصد مجرد قضاء الشهوة وصب الماء واستفراغ أوعية المني فبطلت المتعة بهذا القيد لأن مقصود المتمتع ليس إلا ذاك دون التأهل والاستيلاد وحماية الذمار والعرض، ولذا تجد المتمتع بها في كل شهر تحت صاحب، وفي كل سنة بحجر ملاعب، فالإحصان غير حاصل في امرأة المتعة أصلًا ولهذا قالت الشيعة: إن المتمتع الغير الناكح إذا زنى لا رجم عليه، ثم فرع سبحانه على حال النكاح قوله عز من قائل: {فَما استمتعتم} وهو يدل على أن المراد بالاستمتاع هو الوطء والدخول لا الاستمتاع بمعنى المتعة التي يقول بها الشيعة، والقراءة التي ينقلونها عمن تقدم من الصحابة شاذة.
وما دل على التحريم كآية {إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} [المؤمنون: 6] قطعي فلا تعارضه، على أن الدليلين إذا تساويا في القوة وتعارضا في الحل والحرمة قدم دليل الحرمة منهما، وليس للشيعة أن يقولوا: إن المرأة المتمتع بها مملوكة لبداهة بطلانه، أو زوجة لانتفاء جميع لوازم الزوجية كالميراث والعدة والطلاق والنفقة فيها، وقد صرح بذلك علماؤهم.
وروى أبو نصير منهم في [صحيحه] عن الصادق رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن امرأة المتعة أهي من الأربع؟ قال: لا ولا من السبعين، وهو صريح في أنها ليست زوجة وإلا لكانت محسوبة في الأربع، وبالجملة الاستدلال بهذه الآية على حل المتعة ليس بشيء كما لا يخفى.
ولا خلاف الآن بين الأئمة وعلماء الأمصار إلا الشيعة في عدم جوازها، ونقل الحل عن مالك رحمه الله تعالى غلط لا أصل له بل في حد المتمتع روايتان عنه، ومذهب الأكثرين (أنه لا يحد لشبهة العقد وشبهة الخلاف، ومأخذ الخلاف على ما قال النووي اختلاف الأصوليين في أن الإجماع بعد الخلاف هل يرفع الخلاف وتصير المسألة مجمعًا عليها؟ فبعض قال: لا يرفعه بل يدوم الخلاف ولا تصير المسألة بعد ذلك مجمعًا عليها أبدًا، وبه قال القاضي أبو بكر الباقلاني)، وقال آخرون: بأن الإجماع اللاحق يرفع الخلاف السابق وتمامه في الأصول؛ وحكى بعضهم عن زفر أنه قال: من نكح نكاح متعة تأبد نكاحه ويكون ذكر التأجيل من باب الشروط الفاسدة في النكاح وهي ملغية فيها، والمشهور في كتب أصحابنا أنه قال ذلك في النكاح المؤقت وفي كونه عين نكاح المتعة بحث، فقد قال بعضهم باشتراط الشهود في المؤقت وعدمه في المتعة، ولفظ التزويج أو النكاح في الأول، وأستمتع أو أتمتع في الثاني، وقال آخرون: النكاح المؤقت من أفراد المتعة، وذكر ابن الهمام أن النكاح لا ينعقد بلفظ المتعة، وإن قصد به النكاح الصحيح المؤبد وحضر الشهود لأنه لا يصلح مجازًا عن معنى النكاح كما بينه في المبسوط.
بقي ما لو نكح مطلقًا ونيته أن لا يمكث معها إلا مدة نواها فهل يكون ذلك نكاحًا صحيحًا حلاليًا أم لا؟ الجمهور على الأول بل حكى القاضي الإجماع عليه، وشذ الأوزاعي فقال: هو نكاح متعة ولا خير فيه فينبغي عدم نية ذلك. اهـ.
قال ابن حجر في الفتح: روي عن ابن عباس الرجوع عن القول بجواز المتعة بأسانيد ضعيفة، وإجازة المتعة عنه أصح. وقال ابن المنذر في الإشراف: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة، ودل قوله: «ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة» على أن النسخ لا يجوز أن يقع عليه. وقد روينا أخبارا عن الأوائل بإباحة ذلك، وليس لها معنى ولا فيها فائدة مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وممن نهى عن المتعة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وقال القاسم بن محمد: تحريمها في القرآن: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} روي عن ابن مسعود أنه قال: نسختها آية الطلاق والعدة والميراث. وروي عن علي أنه قال ذلك. وقال ابن عمر: ما أعلمه إلا السفاح. وقال: ابن الزبير: المتعة: الزنا الصريح، ولا أعلم أحدا يعمل بها إلا رجمته. وقال الحسن البصري: ما كانت المتعة إلا ثلاثة أيام حتى حرمها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. وممن أبطل نكاح المتعة: مالك والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي، ولا أعلم أحدا يجيز اليوم نكاح المتعة إلا بعض الرافضة، ولا معنى لقول يخالف القائل به الكتاب والسنة. هذا، وكان ابن عباس رضي الله عنه يتأول في إباحة المتعة للمضطر إليها بطول العزبة وقلة اليسار، ثم توقف عنه بعد أن قيل له: لقد سارت بفتياك الركبان... فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. والله ما بهذا أفتيت ولا هذا أردت، ولا أحللت إلا مثل ما أحل الله من الميته والدم ولحم الخنزير، وما تحل إلا للمضطر، وما هي إلا كالميتة والدم ولحم الخنزير. اهـ.

.قال الماوردي:

وقال الحكم: قال عليّ: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي، وهذا لا يثبت، والمحكي عن ابن عباس خلافه، وأنه تاب من المتعة وربا النقد. اهـ.